Nov 6, 2006

عن رواية مئة عام من العزلة




انتهيت لتوى من قراءة رواية جابرييل جارسيا ماركيز

مئة عام من العزلة

ما استرعى انتباهى فى الرواية هو اننى لم اكن اعرف ان بمقدورك الكتابة هكذا !

اى ان طريقة الكاتب سردية , لا يوجد الكثير من الحوار , بل يكاد يكون نادرا بعض الشىء !
ايضا , ان قصص الشخوص تتداخل فى بعضها , وانك تعرف من البداية ما حل بهذه الشخصية وكيف لقت حتفها , ثم يعود بك الكاتب الى بداية حديثه عن الشخصية.

ومع كل هذا التداخل , الا انك لا تضيع بين الأحداث , وانما تبدو لك وكأنها القصة التى سمعتها من جدتك سابقا عن شخص انت تعرف ما حل به وكيف كانت حياته.


هناك شىء اعجبنى جدا فى القصة , وهى كيف يتداخل ويتمازج الخيال بالواقع. والغريب انك لا تحس بالغرابة !
مثلا , تصاب القرية بداء الأرق , فلا يستطيع الناس النوم , ومن كثرة تعبهم فإن الأحلام تراودهم فى استيقاظهم ويكون بمقدور من حولهم ان يروها !
و كيف ان الغجر اتوا ببساط سحرى فركبه الأطفال ! قد تقول فى نفسك , هى خدعة غجر , ولكن الرواية تتحدث لك عن بساط سحرى يطير حقا فى الهواء !
وايضا , هناك من كانت تطير حوله الفراشات الصفراء اينما ذهب !

لاحقا عندما قرأت سيرة الكاتب فى اللينك الموجود فى الأعلى , عرفت انه تعمد هذا المزج بحيث يصبح جزءا من الواقع فى القصة كما كانت تفعل جدته فى سردها للقصص القديمة له !

ما لاحظته ايضا هو عدم تحديد مكان للقصة على خريطة العالم !! لم اعرف اين هى ارض الحكاية الا حين قرأت سيرة الكاتب !
(من اين لى ان اعرف اين ريوهاتشا ؟؟؟؟؟)

ولكن ما وجدته اكثر اثارة فى القصة كان

الزمن.

لا يوجد تاريخ معين فى الرواية فأنت تستمر فى قراءة القصة وانت لا تعرف عن اى زمن ولا اى قرن توجد فيه احداث الرواية , االى ان عرفت بالتقريب الفترة الزمنية , حين ظهرت فى اخر الرواية الدراجة ذات العجلة الأمامية الكبيرة , ومن يعرف تاريخ كولومبيا فأنه قد يتعرف على الزمن عند حدوث مجزرة عمال الموز ولكن حتى هذه ظهرت ايضا فى اواخر القصة.

تتداخل شخصيات القصة فى الزمن المتداخل لدرجة انى حسبت معها ان الكاتب يتحدث عن شخص واحد فقط ولكنه فى كل مرة يظهر لنا جانبا من هذا الشخص.

ايضا , تمضى سنون فى زمن احداث الرواية , بدون حقا ان تحس انت بذلك !

وتأتى اجيال وتذهب اخرى وانت تحس انك لازلت فى نفس النقطة !


فى بداية الرواية , رأى مؤسس القرية (ماكوندو التى تجرى فيها الوقائع) ومؤسس السلالة الطويلة التى تتحدث عنها الرواية – فى حلم - , ان قرية ماكوندو كلها من مرايا.

لم اعر هذا الشىء اهتماما فى البداية , ولكنى عندما انهيت القراءة , فكرت بأن رؤية الجد الأول هذه , هى كناية عن الزمن وكيف انه يتكرر فى القرية , اى ان القرية فعلا كانت موجودة بين مرايا الزمن.

ايضا , من الجمل التى تكررت فى الرواية , وعلى لسان اكثر من شخص هى :
(الزمن لا يمضى وانما يلتف دائريا)
هذه الجملة هى معنى ان جدران بنيان القرية من المرايا !

ايضا , من الجمل التى استرعت انتباهى وكانت تصف كيف ان غرفة معينة فى البيت لا تهرأ ولا يصيبها الخراب ولا الغبار حتى وان تعرض البيت كله للخراب , كانت
(.... ان الزمن ايضا يتعرض لعقبات وحوادث ويمكن له بالتالى ان يتشظى ويخلف فى احدى الغرف جزئية خالدة.)

هل اقول , انى ولكى ابقى ذكرياتى حية فلا احن لها بأننى اعتقد فى وجود – البعد الثالث للزمن- ؟؟ سأدع هذا الجزء الى تدوينة قادمة !

ايضا , جملة اعجبتنى كثيرا عن الزمن فى القصة
( ... كان هذا كل ما تبقى من ماض لم يتحقق فناؤه بعد, لأنه ما زال يفنى ذاتيا بلا نهاية , مستهلكا نفسه من داخله , منهيا نفسه فى كل دقيقة , ولكن دون الأنتهاء من انهاء نفسه ابدا.)

.......
كان هذا كله عن الزمن , ولكن العزلة التى يحويها اسم الكتاب وتتحدث عنه الرواية ,كانت موجود فى كل الشخوص حتى كتب انه وباء !.
حتى الأم (اورسولا) التى كانت ابعد ما يمكن عن العزلة وهى القائلة (الطريق الى عدم خراب البيت وتهدمه هو فتح ابوابه ونوافذه.)
ايضا هى عانت من العزلة فى شيخوختها.

العزلة !
السنا كلنا نحويها داخل انفسنا ؟؟؟

جملة كتبتها على الكتاب , وانا لا زلت اقرأ الرواية
‘We all live in a solitude, it’s us who can make it peaceful & full or not.’

تساؤل
انت كنت مصاب بداء العزلة هل تجتذب اليك من لديه نفس الوباء ؟
لا اعرف فى واقعنا ان كان هذا حقا ام لا , ولكنه موجود وبطريقة مأساوية فى الرواية.

فى حوار لى مع
د. اسامة القفاش , قال حين سألته عن رغبة الكثير من السلالة التى يتحدث عنها الراوى فى اقامة علاقة جسدية مع اقاربهم , قال , انها بسبب العزلة.

اذا .. فهل قمة العزلة حدثت فى نهاية الرواية حين تزوج الشاب من خالته (بدون ان يعرفا فى البداية) ؟

قد تكون !

بينت الرواية ايضا , الحنين (النوستالجيا) وعذابه !

سؤال لنا جميعا , هل يجب ان نفقد الشىء , حتى نعرف بأننا نحبه ؟

.....................
لم افهم غلاف الرواية !
ولمن يستطيع شرحه لى وعلاقته بها سأكون شاكرة !

هل المرأة التى تلبس الأبيض هى العزلة ام انها الزمن ؟؟ وهل التى تقف فى مواجهة الجموع وتلبس البرتقالى هى الموت !؟؟

لأن فى الرواية وعند الحديث عن الموت وفى اكثر من جزء , تحدثوا عن اللون البرتقالى

.............................

اثرت فيّ هذه القصة , ككل شىء اراه واقرأه. وجدتها جميلة جدا وتختلف عن كل
ما قرأته.

5 comments:

Ossama said...

الدكتورة ايمان منورة النت تاني
اللوحة على الغلاف من رسم الفنانة المكسيكية العظيمة
فريدا كايو
اللي عملوا عنها فيلم فريدا
من بطولة سلمى حايك
وهي كانت زوجة الفنان المكسيكي الكبير
صاحب الجداريات الشهيرة دييجو ريبيرا

وهي معتادة على ان تصور نفسها في لوحتها
التي تتميز بجمال الالوان الزاهية والغرائبية
وربما لهذا اختارها الناشر لغلاف الترجمة
لو حبيتي تبصي على فريد ا في اللوحة
فهي السيدة ذات الراس المائلة الى الجنب وراءمن يرتدي قناع الموت في منتصف اللوحة
خالص التحيات

eman said...

اشكرك يا دكتور كثيرا على المعلومة ,

بس عارف , احس ان باقى وجوه السيدات , فيهم ايضا شبه منها
!

Malek said...

العفو يا دكتورة احنا في الخدمة
http://www.imdb.com/title/tt0120679/
هي فريدة كايو او كالو او كالهو لانك حتلاقيها مكتوبة بالعربي كده
دايما بترسم نفسها او ستات اقرب اليها
هي فنانة مذهلة
يا ريت تشوفي الفيلم بتاعها يادكتورة

Anonymous said...

قرأت الرواية منذ سنوات..
لهذا لن أستطيع أن أفسر مضامينها الملتوية البعيدة المدى خاصة أني لا أذكر منها غير تساؤلات مؤرقة

فكرت حينها كثيرا في الموت التي يبرز بقوة فكرت في تعاقب السلالات والقصص إن العنوان مباشر حين يرصد مائة سنة ، لكن يبقى مفهوم العزلة من المفاهيم التي تؤتث الرواية ولا زالت
تعدد الشخصيات وتشعب الأحداث وتوالي الأجيال من الأمور التي تجعل هذا العمل ينزع نحو الملحمية.
حقا إنها رواية جديرة بالقراءة وإعادة القراءة وقلما أرشح رواية لأن تقرأ أكثر من مرة.

eman said...

سعيدة يا استاذ شكيب , بمشاركتك ,

حقا , كل شخص وينتبه الى شىء معين فى اى ابداع او كتابه.

لم انتبه للموت كثيرا فى القصة , مع انه كان حاضرا جدا

واشار اليه الكاتب , عندما تحدث عن (الرجل الذى قتله مؤسس العائلة خوسية اركاديو بوينديا)

بأنه قابع فى عزلة الموت

....
قرانا كثيرا عن الحب , وعن التضحية , والحروب

ولكن العزلة !!!!!

مع اننا جميعا , نحويها داخلنا , وسنحياها بد مماتنا , الا اننا - انا شخصيا , ومع احساسى بالوحدة كثيرا- الا اننى لم انتبه الى هذا الشىء المسمى العزلة

....
تحياتى يا استاذ